لماذا نستمتع بالموسيقى؟
* كيف نملك في داخلنا قياساً للـموسيقية، بمعنى تمييز الصوت الموسيقي من غير الموسيقي، وأيضاً تفضيل الموسيقى الجيدة عن غير الجيدة؟ ولماذا نملك ذلك؟
* ماذا يعني أن يكون هنالك لحن جميل وآخر عادي؟
* كيف يؤلّف الملحنون ألحانهم؟ ولماذا هم أيضاً لا يعرفون كيف؟ ولماذا يؤلّفونها أصلاً؟
* لماذا معظم الأعمال الموسيقية تملك تكراراً للألحان فيها؟ ولماذا نرتاح لهذا التكرار والإعادة؟
* المقامات هي مواضع محددة سلفاً للنوتات، فلماذا كانت بذلك التناسب الرياضي بالذات؟ لماذا لا يمكن الخروج بمقام جديد؟ لماذا الخروج عن المقامات يولد نشازاً؟
* لماذا يتوجب على الألحان أن تتقيد بالزمن من خلال ارتباطها بالإيقاع؟ وفي حال انفلتت عنه جاءت النتيجة غير موسيقية؟
تمثل الموسيقى لي لغزاً عظيماً لم أجد له تفسيراً ولا حلاً، فهي مجموعة من الأصوات السابحة كغيرها في الهواء، لكن سراً ما يجعلها تسحر الآذان وتطرب السامعين، فلماذا يكون في الاستماع إليها بالذات متعة ولذة مختلفة عن باقي الأصوات العشوائية؟ إني أتساءل: هل النظم والتركيب الموسيقي مرتبط بخاصية كونية مثل خصائص الفيزياء والكيمياء مثلاً، خاصية متعلقة بمعادلات رياضية منطقية موجودة ضمن الكون ويتلاعب بها الملحنون دون دراية علمية بها؟ أم أنه أمر شاعري متعلق بالذوق الإنساني، وأنها ليست سوى استساغة فنية أوجدها الإنسان لنفسه كاستساغة الجماليات الأدبية والشعرية مثلاً؟
لو سألتكم ما هي الموسيقى؟ سأتوقع إجابات مثل “تلك التي نسمعها في الأغاني” أو “أصوات منتظمة وتستطيبها الأذن” أو “ألحان معينة تسير على إيقاعات زمنية” لكن هذه كلها إجابات ناقصة وليست حقيقية، فهي لا تجيب فعلاً عن السؤال. تخيل أنني سألت أحداً ما هو الكمبيوتر؟ ثم قال لي أنه ذلك الجهاز الذي نحتاجه لاستخدام البرامج وتصفح الإنترنت؟ إجابته صحيحة فهو لا يشير إلا للكمبيوتر، لكنها إجابة ليست علمية، ولو جاء مهندس حواسيب لاستطاع تعريف الحاسب بصورة علمية دقيقة. ولو سألتكم أيضاً لماذا نطرب للموسيقى؟ قد يقول أحدهم “لأنها أصوات جميلة” وهذه أيضاً لا تجيب على السؤال، بل ستقود إلى سؤال أصعب وهو: لماذا هي أصوات جميلة؟ هل تستطيع وصف جمالها؟
الملحنون يعرفون كيف تعمل الموسيقى، لا كيف يعمل التلحين، ولا كيف يعمل الأثر، رغم أن هنالك معاهد مخصصة لتدريس الوسائل المعيْنة على التأليف الموسيقي وكيف توظَّف النوتات والمقامات والهارمونيات، يعطون الملحن كل ما يحتاج معرفته عن الأنظمة والقوانين الموسيقية ولكنهم يقفون عند الحد الذي قد يسألهم: لكن كيف ألحن؟ فهم لا يعرفون السبب الذي من أجله توجد الموسيقى، ولا السبب الذي تؤثر فيه على الإنسان أثراً حسناً. أليس هذا غريباً؟
البشر يعرفون الحديد على سبيل المثال وكانوا قديماً يستخدمونه لأغراض مختلفة دون معرفة سبب وجوده ولماذا كان الحديد حديداً ولم يكن معدناً آخر، ولمّا جاء الكيميائيون استطاعوا تفسير كل أسرار الحديد وغيره حينما توغلوا في علم الذرة وخواص الجزيئات حتى استطاعوا إنتاج الحديد بمجرد الحصول على المواد الأولية وتوفير الظروف الملائمة، كذلك الأمر مع باقي العلوم حينما يتناول العلماء ظواهر الكون الغريبة فيخضعونها للدراسات والأرقام والتجارب حتى يعرفوا شأنها ويستفيدون منه، غير أن علم الموسيقى ظل لغزاً محيراً إلى هذا اليوم، وأعني حقاً أنه غامض لدرجة رهيبة ليس بالنسبة لي فقط بل لكل العلماء الذي جربوا خوضه وتفسيره فخرجوا بحيرة واندهاش أكبر وهم يضربون كفاً بكف، وما يزيد الأمر حيرة أن الملحن نفسه لا يدري لماذا شكل لحنه بتلك الصورة بالذات، كل ما يعرفه أنه يلحن لأنه يريد سماع موسيقى جميلة.
يشبّه البعض الموسيقى باللغة، وهو تشبيه قريب لكني أراه ناقصاً، فطريقة عمل اللغة، أن تطرأ الأفكار في ذهن المرء، ثم يعبر عن ذلك بالكلام (أو الكتابة)، فيفهم السامع (أو القارئ) ذلك الكلام ثم يستجيب ذهنه بالتفكير والشعور. في الواقع إن الموسيقى تملك المراحل نفسها إلى حد ما، لكنها تفتقر إلى عنصر الفهم وهو الركيزة الأساسية في التواصل اللغوي، فنحن لا نفهم الألحان مثلما نفهم مفردات اللغة، ولكننا نستجيب لها.
من تعمق في الدراسات الموسيقية سيعلم أن الموسيقى لابد أن تسير وفق مقامات ثابتة، وفي حال خرجت النوتات عنها ظهر نشاز مزعج يؤذي السامع، وأن تلك النوتات خاضعة لنظام رياضي دقيق الأرقام، سأعطيكم مثالاً أعزف فيه مقاماً مؤلفاً من 7 نوتات، ثم أعزف عليه قطعة سيألفها معظمكم، ثم سأعزف القطعة نفسها مع تغيير موضع نوتة عن محلها الصحيح في المقام على طول اللحن، وسترون كيف أن التحريك سيشوه كل ذلك الجمال.
إن المقام خاضع لتناسب رياضي ثابت، وهذا يجعلني أنظر للموسيقى بتناقض شديد، فهي شاعرية وانطباعية وتملك تأثيراً فنياً بحتاً على الإنسان يثير في داخله الكثير من الأحاسيس والشجون والذكريات، لكنها في تكوينها تخضع لأنظمة رياضية بحتة وعلاقات تناسبية منطقية، فكيف يحدث هذا؟ هل هو اتصال بين الإنسان والأرقام؟ هل هنالك سر عظيم تحمله تلك الألحان السابحة يربط بين علم الرياضيات وعلم البيولوجيا (تكوين الإنسان)؟
لعلي أفسر شيئاً من مكونات الموسيقى فيما بعد، ولكن حتى ذلك الحين أترككم مع تساؤلات ما زالت تحيرني، وبعد البحث وجدت أنها راودت آخرين ولم يجدوا لها إجابات
* كيف نملك في داخلنا قياساً للـموسيقية، بمعنى تمييز الصوت الموسيقي من غير الموسيقي، وأيضاً تفضيل الموسيقى الجيدة عن غير الجيدة؟ ولماذا نملك ذلك؟
* ماذا يعني أن يكون هنالك لحن جميل وآخر عادي؟
* كيف يؤلّف الملحنون ألحانهم؟ ولماذا هم أيضاً لا يعرفون كيف؟ ولماذا يؤلّفونها أصلاً؟
* لماذا معظم الأعمال الموسيقية تملك تكراراً للألحان فيها؟ ولماذا نرتاح لهذا التكرار والإعادة؟
* المقامات هي مواضع محددة سلفاً للنوتات، فلماذا كانت بذلك التناسب الرياضي بالذات؟ لماذا لا يمكن الخروج بمقام جديد؟ لماذا الخروج عن المقامات يولد نشازاً؟
* لماذا يتوجب على الألحان أن تتقيد بالزمن من خلال ارتباطها بالإيقاع؟ وفي حال انفلتت عنه جاءت النتيجة غير موسيقية؟
تمثل الموسيقى لي لغزاً عظيماً لم أجد له تفسيراً ولا حلاً، فهي مجموعة من الأصوات السابحة كغيرها في الهواء، لكن سراً ما يجعلها تسحر الآذان وتطرب السامعين، فلماذا يكون في الاستماع إليها بالذات متعة ولذة مختلفة عن باقي الأصوات العشوائية؟ إني أتساءل: هل النظم والتركيب الموسيقي مرتبط بخاصية كونية مثل خصائص الفيزياء والكيمياء مثلاً، خاصية متعلقة بمعادلات رياضية منطقية موجودة ضمن الكون ويتلاعب بها الملحنون دون دراية علمية بها؟ أم أنه أمر شاعري متعلق بالذوق الإنساني، وأنها ليست سوى استساغة فنية أوجدها الإنسان لنفسه كاستساغة الجماليات الأدبية والشعرية مثلاً؟
لو سألتكم ما هي الموسيقى؟ سأتوقع إجابات مثل “تلك التي نسمعها في الأغاني” أو “أصوات منتظمة وتستطيبها الأذن” أو “ألحان معينة تسير على إيقاعات زمنية” لكن هذه كلها إجابات ناقصة وليست حقيقية، فهي لا تجيب فعلاً عن السؤال. تخيل أنني سألت أحداً ما هو الكمبيوتر؟ ثم قال لي أنه ذلك الجهاز الذي نحتاجه لاستخدام البرامج وتصفح الإنترنت؟ إجابته صحيحة فهو لا يشير إلا للكمبيوتر، لكنها إجابة ليست علمية، ولو جاء مهندس حواسيب لاستطاع تعريف الحاسب بصورة علمية دقيقة. ولو سألتكم أيضاً لماذا نطرب للموسيقى؟ قد يقول أحدهم “لأنها أصوات جميلة” وهذه أيضاً لا تجيب على السؤال، بل ستقود إلى سؤال أصعب وهو: لماذا هي أصوات جميلة؟ هل تستطيع وصف جمالها؟
الملحنون يعرفون كيف تعمل الموسيقى، لا كيف يعمل التلحين، ولا كيف يعمل الأثر، رغم أن هنالك معاهد مخصصة لتدريس الوسائل المعيْنة على التأليف الموسيقي وكيف توظَّف النوتات والمقامات والهارمونيات، يعطون الملحن كل ما يحتاج معرفته عن الأنظمة والقوانين الموسيقية ولكنهم يقفون عند الحد الذي قد يسألهم: لكن كيف ألحن؟ فهم لا يعرفون السبب الذي من أجله توجد الموسيقى، ولا السبب الذي تؤثر فيه على الإنسان أثراً حسناً. أليس هذا غريباً؟
البشر يعرفون الحديد على سبيل المثال وكانوا قديماً يستخدمونه لأغراض مختلفة دون معرفة سبب وجوده ولماذا كان الحديد حديداً ولم يكن معدناً آخر، ولمّا جاء الكيميائيون استطاعوا تفسير كل أسرار الحديد وغيره حينما توغلوا في علم الذرة وخواص الجزيئات حتى استطاعوا إنتاج الحديد بمجرد الحصول على المواد الأولية وتوفير الظروف الملائمة، كذلك الأمر مع باقي العلوم حينما يتناول العلماء ظواهر الكون الغريبة فيخضعونها للدراسات والأرقام والتجارب حتى يعرفوا شأنها ويستفيدون منه، غير أن علم الموسيقى ظل لغزاً محيراً إلى هذا اليوم، وأعني حقاً أنه غامض لدرجة رهيبة ليس بالنسبة لي فقط بل لكل العلماء الذي جربوا خوضه وتفسيره فخرجوا بحيرة واندهاش أكبر وهم يضربون كفاً بكف، وما يزيد الأمر حيرة أن الملحن نفسه لا يدري لماذا شكل لحنه بتلك الصورة بالذات، كل ما يعرفه أنه يلحن لأنه يريد سماع موسيقى جميلة.
يشبّه البعض الموسيقى باللغة، وهو تشبيه قريب لكني أراه ناقصاً، فطريقة عمل اللغة، أن تطرأ الأفكار في ذهن المرء، ثم يعبر عن ذلك بالكلام (أو الكتابة)، فيفهم السامع (أو القارئ) ذلك الكلام ثم يستجيب ذهنه بالتفكير والشعور. في الواقع إن الموسيقى تملك المراحل نفسها إلى حد ما، لكنها تفتقر إلى عنصر الفهم وهو الركيزة الأساسية في التواصل اللغوي، فنحن لا نفهم الألحان مثلما نفهم مفردات اللغة، ولكننا نستجيب لها.
من تعمق في الدراسات الموسيقية سيعلم أن الموسيقى لابد أن تسير وفق مقامات ثابتة، وفي حال خرجت النوتات عنها ظهر نشاز مزعج يؤذي السامع، وأن تلك النوتات خاضعة لنظام رياضي دقيق الأرقام، سأعطيكم مثالاً أعزف فيه مقاماً مؤلفاً من 7 نوتات، ثم أعزف عليه قطعة سيألفها معظمكم، ثم سأعزف القطعة نفسها مع تغيير موضع نوتة عن محلها الصحيح في المقام على طول اللحن، وسترون كيف أن التحريك سيشوه كل ذلك الجمال.
إن المقام خاضع لتناسب رياضي ثابت، وهذا يجعلني أنظر للموسيقى بتناقض شديد، فهي شاعرية وانطباعية وتملك تأثيراً فنياً بحتاً على الإنسان يثير في داخله الكثير من الأحاسيس والشجون والذكريات، لكنها في تكوينها تخضع لأنظمة رياضية بحتة وعلاقات تناسبية منطقية، فكيف يحدث هذا؟ هل هو اتصال بين الإنسان والأرقام؟ هل هنالك سر عظيم تحمله تلك الألحان السابحة يربط بين علم الرياضيات وعلم البيولوجيا (تكوين الإنسان)؟
لعلي أفسر شيئاً من مكونات الموسيقى فيما بعد، ولكن حتى ذلك الحين أترككم مع تساؤلات ما زالت تحيرني، وبعد البحث وجدت أنها راودت آخرين ولم يجدوا لها إجابات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق